مهرجان النجمة المحمدية الولائي الرابع
كلمة الشيخ الدكتور حسين شحادة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله
وبركاته...
لحديثي هذه الأمسية حكاية من حكايا الوجدان ونبضة من نبضات القلب الراعش بحب محمد
وآل محمد...
فيوم زارني الدكتور عصام وأنا على فراش المرض أبصرت في وجهه السمح وقلبه الطيب
طهراً من الشعور وجذراً يتصل بالمنبت الحسن أي بالتراب العراقي أي بتراب النجف
الأشرف الذي يضم بين ثراه آباء البشرية الثلاثة آدم ونوح وعلي بن أبي طالب (ع)...
و يوم دعاني قبل يومين لأشاطره وأشاطركم الاحتفاء بميلاد نهارنا الإسلامي المبارك
الطالع من عيني زينب سيدة الصبر ومليكة الحرية والموقف الجريء خالجني والمرض لا يكف
عن ضجيجه، من أي الجهات أناجي زينب؟، وبأي اللغات أبايع سيدة الصبر والصوت والموقف
الجريء؟...
قلت ربما أكشف في يوم مولدها إضاءة من أسرار هوانا نحن العائدون إليها والراحلون
إليها، قلت... والمأزم العربي في ذروته كيف أطل من خلال زينب على قضايا أمتنا
ومصيرنا...
... أستعير من الدكتور أسعد علي خلجة من نفسه ونبضة من قلبه لأحتفي اليوم بشكاية
مرفوعة إلى دموع زينب ودم الحسين... شكايتي انطلقت من بيروت إلى أفريقيا إلى عدد من
عواصم الوجع والانكسار إلا أنني أعترف الآن بأن أمي قبل أربعين من القدس...حين
سلمتني منديلها لأطرزه بدمي... أبطأت فطرزته بحبري... ومنذ أربعين من القدس لا أجرؤ
أيها السادة على النظر في عيني أمي، كما لا أجرؤ على النظر في وجه زينب حتى
تُكتب لنا الحرية المطرزة بتوحيد الكلمة والإنسان...شكايتي وهي مستعارة كما قلت من
أنفاس المربي الدكتور أسعد علي... يوم كنت وحولي زنبقات المسيح في بيروت... ناديتها:
خريفنا يدنو من العراء وحبوب سنبلتي تفر إلى كفها من قارصات البرد، فحملت صوتك،
أطعمت غصته لأطفالي، وأطعمت الصدى للريح، وتركت وجهي خلف كثيب الرمل أضرب حيناً في
انكسارات الزمان وحيناً في انكسارات قلبي وقلت في سري عفواً عيون الناس، عفواً
حبيبة الحسين من يجمع شكل خطاي ثم يرمي دمي في شوارع كربلاء؟...
سميتها كل المدائن... بايعتها رُدُّوا علي من وراء النهر... بايعتها والجرح يغطي
الجرح، فتهيَّأتْ لما نذرتُ لها شجراً يصلي برموش أحزان الحسين... شجراً يسمونه
الأحراش والغابات والمجاهيل، وسميته الندى والنوارس والاقحوان... وبلال والغضب...
و كان صوتها بكل ما أوتي من صوت علي يوحد الأمم الحزينة ويلم بقاياي وشظاياي إلى
هجرة أخرى فلاشيء يكسرني إذا صوتها شد قلبي في مكان الحجارة والعطش والانفجار...
وإذا صوتها قمح يوحد ملح الأرض وماء الفقراء...
كنت وحدي أحث الخطى باتجاه الصوت والفصول، أبحث عن نبي في ياسمينها الأبدي،عن علي
في فضائها الأبدي، أنزل، أسقط، أعلو، أطبع جثتي في الصخر. لكن البرق أدماني وأبكاني
التلهف والوقت والانتظار حتى إذا استندت إلى صفصافة العمر والجدار الذي لم يسقط
والأغصان التي لم تنكسر من زيتونة الشام...
قلت: هاهنا قمر الصوت، هاهنا شفق الجرح... وقلت: ليس للغمامة أسوار وليس لصوتها
شمال وجنوب، وليس لدم الحسين قناع... إذاً لم نمت بعد فما زال في الروح خلجة عصية
على احتراقات الجسد وما زال في القلب نبضة عصية على رماد الخشب...
نحتدم في جلال عباءتها الوارفة وسوادها المهيب ويرتدي حمائمَ صوتها أفقُ المدى وكل
النخيل ويشرئب الهوى والصدى بجوقة الهديل...
علويون نحن لم نمت... ونحن بعضها رعشة في الحلم...
دوماً على مجمر الوعد تعتصر العيون، تطلع الشمس بدم واضح من سرنا وشمسنا... لا فرق
في صلاة العاشقين... وبيوتنا كعادتها مشرعة مثل قلوبنا تتشابه في زورق النور
وسابحات القناديل حتى نهاية الحب والكلمات كأنما كوكب من شروقها ينزل في مآقينا فلا
نقشع سوى الأعلى ولا نسمع سوى أذان الفجر، فمن لحمي الشيعي تدثرَت هذه الأرض، وفوق
فمي أزهر طلعُ النجم...
يا صوتها خلِّ في محاجرنا دمعتين،خلِّ بغصن القلب نبضتين ؛ واحدة لطهر كعبها والآه
كلها بملء حنجرة الكون للحسين...زغردتُ من خلف أسواري وبيروت وأفريقيا وقدسنا
الجديدة في البوسنة والهرسك وسائر المرتحلين إلى ضفائر الصلب من جمر إلى جمر...
بايعتها وفل دمعي يسّاقط ترتيلاً في ليالي الغاب...
يا زينب... يا حوراء...أشرعة فضية تمضي بموج عذابنا الكحلي...خذينا تحت عينيك لكي
نعرف وجه النهار...
خذينا تحت عينيك لكي نعرف ضوء الصباح ولون السماء... يا صرخة تومئ بخفق الريح
والموج نحو شطوط الخوف لتوقظ الرجال...يا نجمة عالية تهز سرير منافينا ليهنأ في
بياض كفها الأطفال...سيدتي خذينا تحت عينيك وهزي بوشاح فاطمة شوك الصحارى... هزي
بصوت علي وكفه كي يسقط في لمحه من بيننا هذا الزمان المستعار...شكوت إليك
وطعم العوسج المر يندف رماد أحلامي العراقية سبايا نحن لولاك فمن لجبينك
العالي؟ بلى من يصغي لمرثاة من الغيم تعيد الحياة لأشجارنا العاقرة؟ لا شيء سواك
توحين لرفيف الغد والورد وتحرسين نبعة الضوء في أعماق شامنا وحجازنا ونيلنا وفراتنا
وفراديس عروبتنا المشتهاة ؛ فكل ما تمزق من ثيابنا وكل ما تقطع من أطرافنا لن ينتهي
إلا بقطرة من نور نجمتك الساطعة وضمة من أزاهير مشكاتك الخالدة...
سيدتي إني ويعاتبني التاريخ ونعوش أصحابي وأراجيح صرخات اليتامى وغربتي
لم تعطني الغربة غير مرافئ غربتي فخذي فؤادي وشرايين قلبي فعفو عينيك...
خذينا تحت عينيك وليقم من عنفوان صغارنا تحت عينيك مجد القيامة...