مهرجان النجمة المحمدية الولائي الثاني
كلمة الأستاذ الدكتور أسعد علي مرشد الاتحاد العالمي للمؤلفين باللغة العربية
بسم الحيِّ الذي لا يموت، والسلام على محمّد وآله الأطهار، والسلام عليكم أجمعين ورحمة الله وبركاته.
كلّ عام وأنتم بخير، وتحيا أنوار قلوبكم الساطعة من أنوار عيونكم، ومن ضياء كهاربكم!
رغم الشكاوى الكثيرة من قطع الكهرباء في المكان!! على كلّ حال...
اليوم؛ بهجةٌ، وإن شاء الله؛ بهجة القلوب تسعد قلب المصطفى؛ يقيناً ليس كلاماً،
حضرةً ليس صورةً، حالاً ليس مقالاً...
ندخل بالحال:
ما الذي يخطر لنا؛ لأهل الذوق المبتهجين بولادة السيدة الحوراء بنت السيدة الزهراء؟
أمامي كتاب مكتوب عليه (فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى)، وفي خاطري اليوم قرار؛ أن أحدِّثَ عن السيدة زينب وهي في حضن الزهراء؛ اليوم هي محضونة بالزهراء...
لماذا زينب نورُ عين لعليّ؟ من يستطيع أن يُقرِّر هذا الكلام؟ هل من حقي أنا، هل من حق أحد أن يحكم على عين علي... يقول: نور عينٍ لعليّ ويُقرِّر أنّ زينب نور عين علي؟؟؟ هل مباح هذا الكلام، هل في الأحكام ما يتيح لنا أو يبيح لنا أن نحكم على نور عين عليّ بأمر؟ كيف يمكن أن نقول هذا؟ وهل يحق للشعراء ما لا يحق لغيرهم؟ هل الشعر يؤرخ أكثر من التاريخ كما يقول أرسطو في (فن الشعر)؟ أي أن الشعر يؤرخ أيضاً ولكنْ يؤرخ المطلقات؛ ليس الأحداث الصغيرة وإنما يؤرخ الأحكام العامة.
أنتم تعرفون- غالباً - أن السيدة كانت(ع) عارفةً قرآنيا؛ واعيةً وعياً حقيقيّاً للقرآن. وفي يوم كانت تُعَلِّمُ النساء دروساً في القرآن، دخل أمير المؤمنين(ع) وأخذ مجلسه أو زاويته في مكان، وأصغى إلى السيدة زينب وهي تشرح (كهيعص)... أصغى إليها حتى فرغت من الكلام، فقال لها: كنتِ تشرحين للنساء (كهيعص)؟، قالت:نعم. قال: إن (كهيعص) رمز...
و لكن ليس هكذا قال، ولكنه قال لها: يا نور عيني! كنتِ تشرحين (كهيعص)؟، قالت: نعم
يا أبتِ، قال: إن (كهيعص) رمزٌ لكم، رمز لتاريخكم الآتي عترةَ
محمد.
(نورُ عينٍ لعليّ)، هو من قرّر هذا الكلام، إذن من حقّنا أن نستخدم القواعد التي تجعلنا مقتدين بما قرّر هو؛ هو قال: يا نور عيني! كنتِ تشرحين (كهيعص)؟، قالت: نعم يا أبتِ. قال: إنّ (كهيعص) رمز لكم آل البيت، أو عترةَ محمّد...
هذه مُلـَبَّسَةٌ أولى... وطبعاً هو شرح لها: قال كلاماً في (كهيعص) وعلت الأصوات بعد شرحه لها بصيحات الإعجاب.
الآن أقدم لكم الهدية الأولى ـ تحبون أن أريكم ما معي شيء في جيبي ـ ولكن الهدية: أرجو أن تقرؤوا لخاطر السيدة زينب هذه الليلة سورة (كهيعص) لعلكم تتلقُّون من (كهيعص) رمزاً مجدّداً ، رمزاً مستقبلياً، رمزاً منتظراً لهذا الأمل، لأن السورة ـ وأنتم تعرفون ـ سورة (مريم) وهي التاسعة عشرة في ترتيبها في المصحف.
وإذن لماذا هي رمز أهل البيت؟ لأنها سورة المعجزة. فاتحة السورة: يحيى ولد بمعجزة، عيسى ولد بمعجزة، والقضية:سيرة المعجزات التي لا نظير لها مطلقاً، وعلي يقرر: يا نور عيني إن (كهيعص) رمز لكم، أترك لكم القراءة ولا أبوح بما وراء هذا الرمز.
لكن نحن نقول: الرمز في الأدب: واحد يقدم للآخر وردة، لماذا يقدم الوردة؟ يقدمها رمزاً لما في قلبه من حبّ.
فإذن الرمز: أن نقول كلاماً ونعني ما يلزم عن هذا الكلام. سورة مريم رمز لكم آل البيت، رمز لمحبِّي آل البيت، يعني ينبغي أن نتطلّع لما وراء هذا الرمز من إشارات.
وما تُذكَر السيدة زينب ويُذكَر معها حبيبها وأخوها الذي كان إذا دخلت عليه يقف لها، ويقولون إنه كان يقرأ القرآن مرة فدخلت عليه زينب(ع) فوضع القرآن على الأرض، ووقف لها، وأجلسها في مكانه... معلوم... معلوم من هو! الحسين... لا ريب، لأنه هو الحبيب، هو الرفيق، هو الصاحب، هو المرشد، وهو الموصي لها...
زينب عند أمثالكم العرفاء ملتقى جمال وجلال، فهي ملتقى جمال لأنها من النساء، وهي ملتقى جلال لأنها من الأئمة أيضاً لأنها وقفت برزخاً بين إمامين: نابت عن الحسين، ونابت عن زين العابدين(ع)...
عباقرة الحرف يقولون: يمكننا أن نبادل بين اللام والباء فنقول: (نور عينٍ بعليٍّ)، وكيفما كانت: نور عين لعلي أو نور عين بعلي فهمنا أنها هي نور عين أبيها، هو قال: يا نور عيني...
ولكن في الشعر المسألتان متباعدتان جدّاً، لأن الباء من حروف... الجر، هكذا تقولون، وأنا أقول: إنها من حروف الرفع، والآن سترون أنها من حروف الرفع.
في طرائق الوعي ينبغي للذي يريد أن يقرأ (كهيعص) أن يبقى مع الحروف، لأنها هي حروف: ك،هـ،ي،ع،ص. إذاً الحروف لها قيم معنوية.
في مستويات هذا الوعي يقولون: النفس الأمّارة ـ وليست الأمّارة بالسوء ـ بل هي النفس الأولى الأمّ التي تغذي الإنسان بالقوى: تأمر القلب، تأمر العين، تأمر المخ، هذه النفس الأمّارة تسير (إلى) الله.
و النفس اللوّامة ذات المرتبة الثانية تسير لله، تلاحظون (اللام)؟
أمّا النفس المُلهَمة تسير (على) الله، والنفس المطمئنة تسير (مع) الله، والنفس الراضية تسير (في) الله، والنفس المرضية تسير (عن) الله، وهذا هو المقام السادس، وأما النفس الكاملة؛ النفس الشفافة، النفس العليا، فتسير (بـ)الله. فالمرتبة قد تغيرت كثيراً، وسأخضع لإشاراته القلبية، وأقول: نور عين بعلي، واحتضان لعلي؛ الآن مسألة أخرى... أما علي الثاني فهو علي زين العابدين(ع).
يتعجب القلب أو أصحاب القلوب ـ وأنتم من أصحاب القلوب إن شاء الله، و بالتأكيد، الذين يتجهون هذا المُتّجه، الذي أنتم فيه وأنتم عليه، لا بدّ أنهم من أصحاب القلوب شاؤوا أم لم يشاؤوا (ولا عقل كالتوفيق) وهم موفَّقون لأنهم في طريق الله، في طريق الحق، في طريق الجنة ـ أقول يتعجب أصحاب القلوب بالأصابع الخفية التي تلعب بقلوبهم فتلهمهم أو تقودهم إلى كلام لا يكونون في حالة تفكير فيه... في سنة 1980 جئت إلى باريس في مهمة علمية إلى السوربون الثالثة، وصادف الأمر أنني دخلت باريس في الخامس عشر من شعبان أي في ليلة النصف من شعبان، وطبيعي أن أتحدث شيئاً أو أكتب شيئاً عن صاحب الزمان، ولكن الأمر أخذ منحى آخر، ودارت يميني بالكتابة فكتبت مقدمة تتعلق بالإمام الحسين(ع) ومجتمع حقوق الإنسان. فهناك كتاب اسمه (جامعة الإمام الحسين(ع)) جاءت مقدمته في ذلك الليل: في ليلة النصف من شعبان أول دخولي باريس في عام 1980، وبغير خاطر كتبْت مقدمة لمجتمع حقوق الإنسان، فنحن في أوربا، ومجتمع حقوق الإنسان هو الغرب، وقد كتب هؤلاء حقوق الإنسان سنة 1946 بالحبر، ولكنني أقول في المقدمة: إن الحسين كتب مبادئ وحقوق الإنسان بالدم، وهم في سنة 1946 كتبوا، أما هو فقد كتب في سنة متقدمة جداً: كتب في سنة 61 هجرية بدمه حقوق الإنسان... وكان الذي كان... لكنَّ المدخل الذي وصلت إليه في التقديم الشعري:
يـحتـاج زيـن العـــــــابدين لعمةٍ ترعى اليتامى والتـشـتـت زاحف
لأنني، عجباً، وجدت نفسي وأنا هناك كأنني في مكان من أمكنة هذا المقام...
تاريخياً وواقعياً كيف كان يجري بين العمة وابن الأخ زين العابدين؟
يحكى أنه بعد الحادثة المشهورة كبر الأمر على زين العابدين، فوقفت العمة تُسلِّيه وتعزيه وـ عفواً من زين العابدين ـ بالسياق، وتبصره وتذكره، على كل حال مع أنه أصبر الصابرين تصبره، وأبصر البصراء تبصِّره، وتقول له: ـ أترجم كلام السيدة بهذا اللون من التطييب المقرب للمعنى ـ تقول له: يا بقيّة جدي وأبي وإخوتي! إن ما جرى هو عهد مع جدك وأبيك من الذات القدسية، وإن ميثاقاً أخِذ على أناس لا تعرفهم فراعنة الأرض أن يجمعوا الأشلاء من كل مكان في كربلاء، وأن يضعوها في مكان يرفعون عليه هذا الذي يرفعونه، وأنّ أئمة الضلال يسعون بكلّ قواهم لإزالة هذا الأثر، ولكن كلـّما حاول الطغاة إزالته يزداد سموّاً، يزداد إشراقاً، ويزداد إشعاعاً...
فإذن الآن وأنا أربط بين جهاتٍ مختلفة أفكر في أنّ السيدة كانت ترعى، وكانت تحتضن، وأفكّر فعلاً بهذا الميثاق الذي صدر.
قال لي السيد الفهري يوماً: ألا يمكن أن تكتب لي شيئاً تحدّثنا فيه لماذا بقي الحسين حيّاً ولماذا بقيت هذه الحادثة حيّة بأسلوب عصري؟
فعلاً لماذا بقي الحسين حيّاً؟ بالتأكيد كلـّكم عندكم إجابات لماذا بقي الحسين حيّاً، وما نسينا (كهيعص) رمز لعترة محمد وآله... إذاً هناك سر، فقد بقيت السورة ويظلون هم حياة مستمرة لأنّ هناك ميثاقاً بين الله وبين أناس لا تعرفهم فراعنة الأرض، لأنهم لو عرفوهم لهجّروهم.
(واحتضان لعلي) السيدة زينب(ع) مربية أطفال وحاضنة أطفال، ومن يرى التقاليد عند أصحاب سورة مريم، وكيف الأطفال يحملون شموعاً يتعجّب، فما أشبه باطن اليد بظاهرها، وكأنّ سورة مريم تحيا باستمرار.
إذاً فحياة السيدة، وحياة من يُذكَرون معها ومن تُذكر معهم: هي ميثاق على الله مع مَن لا يعرفهم فراعنة الأرض، ولا يستطيعون أن يهجِّروهم أو يمنعوهم من تأدية هذا الميثاق...
الآن، ماذا كان زين العابدين يقول لعمته ما دامت تحضنه وتحبه كلّ هذا الحب!؟كان يقول: (عمّتي زينب عالمة غير معلـَّمة وفاهمة غير مفهَّمة). هل في كلام زين العابدين ما يؤيد الإخبار الذي أخبرَتْه به: أنّ هناك عهداً مع آبائه، وميثاقاً مع مخفيين يجددون الذكرى دائماً... نعم، ولكن كيف هي عالمة بدون تعليم؟!
الرباعية الشعرية تقول، نحنُ قلنا بيتاً من الرباعية نريد بيتاً ثانياً... أعطونا يا شعراء كيف نصوغ الحكاية الثانية؟ هل نقول مثلاً:
زينب التقوى بحدس مصطفى ســـرٍّ النبي
(عالمة غير معلـَّمة وفاهمة غير مفهَّمة)... آلاف الكلمات يمكن أن تأخذ مكان كلمة حدس مثل (بوعي)، (بعلم) كما قال زين العابدين(ع)... ولكن لماذا (بحدس)؟ (زينب التقوى بحدس): بالتمجد بذكر الاسم، بالتطيُّب بذكر الحروف.
هي عالمة غير معلـَّمة وفاهمة غير مفهَّمة: أي أنّها تتّصل قلبيّاً ومباشرة بينبوع الينابيع الذي هو ينبوع التعليم، ينبوع التفهيم، ينبوع التدريك أي إعطاء الإدراك.
(الحدس) مصطلح نقدي حديث وقديم، وهو يعني الاتصال المباشر بعين اليقين، والاغتراف من فم النبع (بلا قناني) [وسقاهم ربهم شراباً طهورا].
سقاهم ربهم: ماءٌ، وجنّات تجري من تحتها الأنهار: ماءٌ أيضاً، لكن الفارق بعيد بين ماء تلك الأنهار الذي يشربه الأبرار، وبين ماء يُقَدَّمُ بكأس بيد رب. الإسناد للرب مباشرة غيرُ سقاهم من أنهار تجري، كلاهما ماء جنة ولكن مثل باء (بعلي) ولام (لعلي) تختلفان، وهذا هو السر بين المتصلين بعلم آل البيت وبين المتكلمين بالعلوم... حقيقةً الناس عندهم علم، هذا صحيح، والدنيا فيها علم، لكنّ الذين يتصلون بعلم آل البيت: تماماً نقاطهم على حروفهم، والباء والباء متطابقتان بل متجانستان لأنّ باء القلب لا تجري إلا بظل باء الربّ: وهذا طباق بين قلب العبد المتصل بآل البيت، بمنابع آل البيت، بعلم آل البيت، وبين عالم آخر يهتف بما يعرف وبما لا يعرف... الناس يتكلمون كثيراً... كلُّ الناس عندهم كلام، وكل الناس يقرؤون القرآن، أنا غير حافظ القرآن... ولكنني وجدت الكثير ممن يحفظون القرآن... وشيء غريب أن يحفظ القرآن من ليس له بالقرآن مسيس. وقد كان رسول الله(ص) من أيَّامه يقول: [وقال الرسول: يا رب إن قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجورا].
يقول واحدهم: هذا مصحفي... نعم مصحفك ولكن ما تنفذ من تعاليمه؟ مصحفك يقول بالصدق وأنت تكذب ليل نهار ـ العفو، أبعد عمّن يسمع ـ، قرآنك يقول بالشجاعة في الله؛ ألاّ تأخذك في الله لومة لائم، وأنت جبان تخاف من ظلـّك... [وقال الرسول: يا رب إن قومي اتّخذوا هذا القرآن مهجورا].
العام الفائت حملت معي رسالة دكتوراه مكتوبة باللغة الإيطالية، كتبتها مستشرقة إيطالية، وقلت إنّنا لسنا حول السيدة زينب(ع) نحتفل بعيد السيدة زينب، وإنّما أيضاً عند (بابا) روما يحتفلون بالسيدة زينب... في الرسالة مقدمة تعلل كيف بقيت هذه السيدة في مقامها السامي والشامل والمنير والمشع في عاصمة أموية كانت؛ في عاصمة أعداء السيدة؟؟
تقول المستشرقة: لقد درستُ ودرستُ ودرستُ وعدتُ إلى مصادر غرب، وشرق، وقبلة، وشمال، ووصلتُ إلى حقيقة ثابتة: وهي أن بقاء السيدة زينب(ع) الصمودي في هذا المكان عائد إلى موقفها الجليل الصادق الذي لا مراء فيه...
لقد تكلمت زينب(ع) في الكوفة كما تعرفون، ولقد تكلمت في دمشق كما تعرفون، وقد بصّرت أبصر البصراء، وصبَّرت أصبر الصابرين كما تكلـَّمنا عن زين العابدين(ع)... فإذن القرآن معنا ولكن كيف؟؟
إذا كان معنا كما كان معهم هم نقول كما كان يقول زين العابدين(ع): والله لو مات مَن بين المشرق والمغرب وكان معي هذا القرآن... لما استوحشت...
(كان معي) يعني أنّني أحمل القرآن في جيبي؟ لا، طبعاً؛ (كان معي القرآن) يعني: مستأنس بعبق معنى الوحي، يعني متطيّب...خطواتي تستضيء بأنوار الكلمات...كلماتي تشعشع بأصوات الحروف... وهكذا... إذاً لو مات مَن بين المشرق والمغرب لما استوحشت بعد أن يكون معي القرآن...
هذا هو (الحدس)؛ الحدس يعني: الاتصال بعين اليقين...
زين العابدين(ع)أخذه ما أخذه... تقول له زينب(ع): ماما... حبيبي... عمّتاه... عمّتاه... هذا عهد على آبائك... عمّتاه... هناك ميثاق بين وبين... لن يزول ذكركم، لا تجزع، كلّ شيء بتقدير...كلّ شيء بقرار... كل شيء متّفق عليه... متّفق عليه مع مَن؟ مع أحكم الحاكمين...أليسَ الله بأحكم الحاكمين؟ إذن: زينب التقوى بحدس ٍ.
الآن تقريباً (الحدس) كان لها حدٌّ أو حدود، والآن قطعت هذه الحدود طريقها...
يقولون إنني أفتل مع اللغة بالمولوية يعني أرقص مولوياً مع اللغة، وفي الواقع أن اللغة هي تتطلب ذلك...
مثلاً واحد يئس من قضية من القضايا، يقول: يا أخي والله للصبر حدود... كما تقول أم كلثوم: إنما للصبر حدود... وهذا مهم كثيراً للشعب العظيم الحبيب إلى قلبي الذي يترك بلاده ولا يراها عشرين عاماً مثلاً، ولا يستطيع، (إنما للصبر حدود) يعني: ما عاد بي صبر... أكاد أنفجر... لا، إنما للصبر حدود: حدود جمع حد، والصبر سيوف قاطعة، وكل مشكلة تصبر عليها تقطعها كما تقطع حدود السيوف رقاب الأعداء... هذا هو (للصبر حدود)، وهذا هو (الفتل مع اللغة).
و الحدس: الحدّ هذا هو حدّ السر، يعني أنّك تصل إلى حدود السر، إلى عين اليقين، وبعين اليقين ترى، ومن عين اليقين تأخذ... فإذا كنت تريد رؤية: بعين اليقين ترى، وإذا كنت تريد ماءً: فمن عين اليقين تشرب...
زينب التقوى بحدس ٍ... في رأيكم هل نمرِّر كلمة (تقوى) من غير أن نقول فيها شيئاً، فهي موجودة في قلوبكم!؟
تلاحظون (التقوى) كلمة يجوز أن تكون فعلاً ويجوز أن تكون اسماً؛ تقوى إذا تناولت الحليب مبكراً، تقوى إذا لعبت الرياضة صباحاً، تقوى إذا قرأت قرآن الفجر، تقوى يعني: أن تصبح قويّاً إذا أخذت تمارينك اليومية... إذاً التقوى التي هي اتصال بعين اليقين واغتراف من أطهر العلم، من أطهر الماء، تجعلك قوياً...
هذا تفسير لكلمة التقوى غير التفاسير المعلومة، لا أريد أن أدخل في التفاسير المعلومة لأنها معلومة...
فزينب التقوى يعني: زينب القوة، زينب العلم بقوة، [يا يحيى خذ الكتاب بقوة] باعتبار أن (كهيعص) رمز آل محمد: يا نور عيني إن (كهيعص) رمزكم...
الموت، تقطيع الأوصال، التشتت... هذا ليس مرئياً عندها، لأنّ هناك عهداً وميثاقاً، وهي تنفّذ العهد، وهذا هو المطلوب، أن تكون بأمر الله تماماً.
(مصطفى سرّ النبي)؛ من يعرف ألقاب السيدة زينب(ع)؟ كم لقباً للسيدة زينب؟ أسأل الخبراء... من يعطينا رقماً؟...
(بطلة كربلاء) من ألقابها... في هذا الكتاب الذي اسمه (فاطمة الزهراء بهجة قلب المصطفى) فصل يتعلـّق بأولاد السيدة(ع)، وهو الفصل السابع والثلاثون، ويذكر ألقاب السيدة زينب(ع)و يعدّد من ألقابها كم لقباً؟ قل...
ـ الإجابة من أحد الحضور الأطفال: خمسة...
خمسة، هذا رقم عظيم لأنها ولدت بِـ 5\5\5 يعني: كمال، كمال، كمال، لأنّ الرقم (خمسة) حتى عند اليوغيّين في تحية (الفيدا) هو الرمز بدلاً من التحية العسكرية أو بدلاً من (السلام عليكم)...لأن القصد بِـ (5) هذا التخلـّي عن الجسديات، وعن العاطفيات، وعن العقليّات، واتصال الذات بالذات المطلقة التي هي الإبهام، وبهذا الاتصال نصبح مع الرقم (5) ولكن السيدة زينب 5-5-5 يعني الاتصال ـ الاتصال ـ الاتصال؛ 5 من أيام الشهر، و5 في الشهر الخامس، و5 بالسنة الخامسة، تلاحظون هذا؟، مصادفة يقولون... مصادفة لا بأس، ولكن هكذا هي...
هنالك أقوال أخرى؛ فقد ذكر الكتاب رقماً ـ ما أدري هل هي أيضاً مصادفة ـ لقد ذكر تسعة وأربعين لقباً، سأختار أنا لقباً منها، وهو الذي ذكر في الرباعية: مصطفى سرّ النبي، من ألقابها: (محبوبة المصطفى)، ورقم هذا اللقب 32، ولكن لماذا تسعة وأربعون لقباً؟ هكذا؟ للا شيء؟ الإشارة بِـ (مصطفى) أنّها محبوبة المصطفى، ولكن لماذا تسعة وأربعون لقباً؟ تحتاج تفسيراً ربّما...7×7=49؛ قلنا مقامات النفس سبعة مقامات، فإذا أخذت ألوانها السبعة أو ألحانها السبعة يعني ضُربت بذاتها تصبح... النفس التي تفهم علوم أهل البيت... قلنا الاتصال بالحدس: الاتصال بعين اليقين، الاتصال بنبع الينابيع، بفم الماء، يحتاج نفساً مجنَّحة.
(النفس) حديثها طويل، وقرأت كتاباً كتب عليه الفارابي بخطّ يده عبارة: (قرأت هذا الكتاب مائة مرة) ولذلك صار الفارابي المعلم الثاني بعد أرسطو صاحب الكتاب والذي هو المعلّم الأول، اسم الكتاب: (رسالة النفس لأرسطو)...
من وجهة تاريخية أرجوكم أن تعودوا إلى كتاب (تاريخ المسعودي) الذي تُرجم إلى الفرنسية، وذُكرت فيه شجرة نسب النبوة من آدم إلى محمد(ص)، رقم محمد تسعة وأربعون أي أن هناك تسعة وأربعين اسماً بين محمد وآدم، فإذا كان رقم محمد(ص) (49)، كان رقم آدم(ع) (49)، وإذا كان رقم آدم(ع) هو (49)، كان رقم محمد(ص) هو (1).
و محمد(ص) هو مَن ختمت به النبوة، فهو خاتم النبوّات إلى أبد الآبدين، بل هو في رأي قسيس وليس في رأي شيخ ـ أرجو أن يوافق الشيوخ، خصوصاً الفقهاء منهم لأن موافقتهم أصعب ما تكون على الدراويش، هم لا يوافقون على الدراويش؛ لأنهم يقولون: ما حكى الشيخ المفيد هكذا، ما حكى الطوسي هكذا، ما حكى الطبرسي هكذا، ولكننا نتكلم هنا عن عالمة غير مُعلـَّمة وفاهمة غير مُفهَّمة، وعن معرفة أخرى تتجاوز التاريخ وتتجاوز الأحكام، وتتجاوز ما تعرف، ولذلك سر العارفين بأهل البيت أنهم دائماً يفتلون عكس الناس... من أين لهم هذا العلم كيف يعرفونه؟ الجواب: أنهم يقتدون، ومن يقتدِ بالبطل يهتدِ: (من اقتدى بالبطل اهتدى) ومن يقتدِ بآل البيت ـ لا ريب لا ريب ـ سيكتشف ما لا يعرفه غيره، وما لا تعرفه الكتب في كثير من الحالات، قد توافقه الكتب ولكن بصيغة أخرى ـ هذا القسيس كنّا نقول إنّه لا يقول إنّ محمداً هو خاتم الأنبياء فحسب، وإنما يقول إنّ محمداً أول الأنبياء... كيف؟!
لقد كتب كتاباً اسمه (محمد في الكتاب المقدّس)، وترسَّمَ خُطى اللغة، وفي علم اللغة اكتشف اسم محمد في الأديان كلها، في الكتب المقدسة القديمة ياللاتيني، بالسنسكريتي، بالإغريقي، بالعبري، بغيره، فوجد أنّ اسم محمد هو (المُبشَّر) به أبداً، وعنده فصل في الكتاب اسمه (المِسبا)؛ (مسبا) بالمعنى العام هو الحجر، ثم درج مع (الباء) التي تُبدَّل إلى (فاء) فهو (المسفا)، ثم نقل إلى لغة أخرى فصار (المصفى)، ثم صار (المُصفي) باللغة العبرية، ثم بعد ذلك صارت (المصطفى)، والكل يتحدثون عن هذا المِسبا منذ إبراهيم، وقبل إبراهيم، ولكن الإشارة بالمسبا إلى المصطفى محمد(ص). وقد وصل هذا القسيس الذي اسمه دافيد بنجامين كلداني ـ الاسم يهودي ـ إلى أن محمداً هو المصطفى من آدم إلى محمد، وكل الأنبياء كانوا يهتفون باسم هذا المصطفى بلغاتهم، ولكن بعلم اللغة استطاع أن يكتشف السر بين الحروف، ووصل إلى ما وصل إليه...
فزينب(ع) بهذا المعنى هي محبوبة المصطفى، وألقابها تسعة وأربعون... وأفتكر أنه معكم ـ وأنتم عباقرة الحب وأذكياء القلب ـ يكفي مثل هذا المقدار من الكلام، لأنه يوقظ بكم ما هو أوسع بكثير مما أعرف أنا، لأن قلوبكم أيضاً يمكنها أن تقرأ سورة مريم، ويمكنها أن تعرف الرمز الذي قال به أمير المؤمنين، يا نور عيني! إن (كهيعص) هي رمزكم...
أسأل الله نور السـماوات والأرض أن ينير عيونكم وقلوبكم وكل خلية من خلاياكم، لتكونوا يقيناً مع هذه العالمة بغير تعليم والفاهمة بغير تفهيم؛ يعني المتصلة بنبع العلوم ونبع اليقين...
من يعيد الرباعية لأطمئن أني زرعت غرستي، وطبعاً أنا أسأل أحبابي ورفاقي وأمثالي الأطفال... نعيدها مرة:
نـُـورُ عـَـيـن بـِعـَلِـي وَ احتِضَـــــــانٌ لِعَلِي
زَيـــــنَبُ التَّقوَى بِحَدس مُصطفَى ســــــرِّ النَّبيِّ
على كل حال كل عام وأنتم بخير، وأسأل الله أن يستجيب دعاءنا ونيّتنا...